تفسير سورة النبأ
إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً {21} لِلْطَّاغِينَ مَآباً{22} لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً{23}
وتوقد نار جهنم التي أرصدها الله وأعدها للطاغين، وجعلها مثوى لهم ومنقلب ومرجع ، وأنهم يلبثون فيها أحقابا كثيرة و {الحقب} هو المدة من الزمان .
لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً{24} إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً{25} جَزَاء وِفَاقاً{26}
وهم إذا وردوها لا يذوقون فيها مايبرد جلودهم ولا مايدفع ظمأهم ، إلا ::
حَمِيماً أي: ماء حارا، يشوي وجوههم، ويقطع أمعاءهم،
وَغَسَّاقًا وهو: صديد أهل النار، الذي هو في غاية النتن، وكراهة المذاق، وإنما استحقوا هذه العقوبات الفظيعة جزاء لهم ووفاقا على ما عملوا من الأعمال الموصلة إليها، لم يظلمهم الله، ولكن ظلموا أنفسهم.
ولهذا ذكرالله تعالي أعمالهم، التي استحقوا بها هذا الجزاء:
1// إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَاباً{27}
لا يؤمنون بالبعث، ولا أن الله يجازي الخلق بالخير والشر، فلذلك أهملوا العمل للآخرة.
2// وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً{28}
كذبوا بها تكذيبا واضحا صريحا وجاءتهم البينات فعاندوها.
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً{29}
وكل شيء من قليل و كثير ، ومن خير وشر كتبناه في اللوح المحفوظ، فلا يخشى المجرمون أنا عذبناهم بذنوب لم يعملوها، ولا يحسبوا أنه يضيع من أعمالهم شيء، أو ينسى منها مثقال ذرة ,
فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً{30}
فذوقوا أيها المكذبون هذا العذاب الأليم والخزي الدائم ، فإنكم في مزيد من العذاب أبدااا.
يخبرنا ربنا جل جلاله عن السعداء وما أعد لهم من الكرامة والنعيم المقيم فقال تعالي :
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً{31}
أي الذين اتقوا سخط ربهم، بالتمسك بطاعته، والانكفاف عما يكرهه فلهم مفاز ومنجي، وبعد عن النار.
وفي ذلك المفاز لهم
حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً{32} وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً{33} وَكَأْساً دِهَاقاً{34}
الحدائق هي البساتين الجامعة لأصناف الأشجار الزاهية، في الثمار التي تتفجر بين خلالها الأنهار، وخص الأعناب لشرفها وكثرتها في تلك الحدائق.
ولهم فيها زوجات علي مطالب النفوس (كواعب ) وهي النواهد اللاتي لم تتكسر ثديهن من شبابهن، وقوتهن ونضارتهن .
(أترابا )اللاتي على سن واحد متقارب، ومن عادة الأتراب أن يكن متآلفات متعاشرات، وذلك السن الذي هن فيه ثلاث وثلاثون سنة، في أعدل سن الشباب.
وكأسا مملوءة متتابعة من رحيق لذة للشاربين .
لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا كِذَّاباً{35} جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَاباً{36}
لا يسمعون فيها كلام لا فائدة فيه ولا إثم ، وأعطاهم الله هذا الثواب الجزيل من فضله وكرمه وإحسانه ، جزاء لهم بسبب أعمالهم التي وفقهم الله لها، وجعلها ثمنا لجنته ونعيمها.
رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً{37}
والذي أعطاهم هذه العطايا هو ربهم رب السموات والأرض الذي خلقها ودبرها
الذي رحمته وسعت كل شيء، فرباهم ورحمهم، ولطف بهم، حتى أدركوا ما أدركوا.
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً{38}
ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباَ{39}
يذكر ربنا جل جلاله عظمته وملكه العظيم يوم القيامة، وأن جميع الخلق كلهم ذلك اليوم ساكتون لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا، فلا يتكلم أحد إلا بهذين الشرطين: أن يأذن الله له في الكلام، وأن يكون ما تكلم به صوابا،
لماذا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لأن ذلك اليوم هو الحق الذي لا يروج فيه الباطل ولا ينفع فيه الكذب ،وفي ذلك اليوم يقوم الروح وهو جبريل عليه السلام،الذي هو أشرف الملائكة {وَالْمَلَائِكَةِ} أيضا يقوم الجميع خاضعين لله لا يتكلمون إلا بما أذن لهم الله به .
فمن شاء اتخذ عملا، وقدم صدق يرجع إليه يوم القيامة.
إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً{40}
وهو يوم القيامة لأنه قد أزف مقبلا، وكل ما هو آت فهو قريب.، يوم يعرض علي المرء جميع أعماله خيرها وشرها ، قديمها وحديثها ، فإن وجد خيرا فليحمد الله، وإن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، ولهذا كان الكفار يتمنون الموت من شدة الحسرة والندم.
نسأل الله أن يعافينا من الكفر والشر كله، إنه جواد كريم.
انتهي تفسير سورة النبأ بحول الله وقوته .