إلى أين تذهبون بها؟

فجأة سمعت الأصوات تتعالى من بيت جارتي

فنظرت من الشرفة فإذا الناس كثر

والأصوات تضج

مذا حدث

لقد كانت بالأمس بيننا ماذا جرى

حقا؟ هل ماتت أم أحمد؟

نظرت فإذا الجسد ملفوف بالقماش، ومحمول على صندوق من الخشب إلى سيارة الموتى

انتظروا

إلى أين تذهبون بها؟

أإلى بيت جديد مفروش بأفخم أنواع الأثاث،

ومدهونة جدرانه بأحلى أنواع الدهانات،

ومرصعة أرضياته بقطع وتحف فنية من الرخام والجرانيت؟!!!

إلى أين أنت ذاهبة يا أم أحمد؟!!!

لقد رحلت عن بيتها، وفارقت أحبابها

بل قل:

لقد طردت من بيتها، وأخذت من فراشها الوثير مكرهة،

وحُملت على الأعناق عنوة ليلقى بها بين طبقات التراب.

وبعد الأنس بالأهل والولد ذهبت هناك وحدها،

وسط صحراء مخيفة قاحلة من البشر

لكنها مملوءة بالزفرات والحسرات والآهات والندم.

هناك وحدها في ذلك القبر المظلم الموحش

في هذا المكان المقفر

بين الديدان والهوام

لقد تركوها هناك وحدها وعادوا

نعم والله قد تركوها وعادوا

لم يقبل أحد منهم أن يبقى معها ليؤنسها ولو لليلة واحدة[size=21] [size=21],

فباتت وحدها في هذا الهول كله.[/size]

فلا صديق ولا جليس

ولا أهل ولا أنيس

وهل خيّروها في كل ذلك؟!!!!

هل كانت تعلم حين أصبحت ذلك اليوم أنها لن تمسي إلا في القبر؟!!!!!!!!!

تُرى هل أعدّت نفسها لذلك اليوم الطويل؟؟؟؟؟؟؟؟

تُرى هل أعدّت للسؤال جواباً؟؟؟؟

تُراها لم تتمن أن تعود إلى الدنيا لتُصلح ما أفسدت

ولتتوب مما أذنبت

ولترد المظالم

ولتطلب العفو ممن أساءت إليهم

لقد حملت مع كفنها حملا ثقيلا من الذنوب،

ذلك الحمل الذي نحمله كلنا

فمن ينجيها الآن من هول الحساب؟

من يعيدها الآن لتعمل ما لم تعمله من خيرات؟

من ينقذها الآن من قبضة الملك الجبار إن كان عليها ساخطا

تُرى هل كانت بارّة بأبويها؟ أم كانت عاقة مسيئة؟

هل كانت وصولة لرحمها؟ أم تتشاجر مع إخوتها وتقاطعهم من

أجل ميراث أو بضعة جنيهات؟

تُرى هل كانت مطيعة لزوجها، مؤدية لحقه؟

تُرى هل أدت حق الأمانة التي ائتمنها الله عليها، فأحسنت تربية أولادها،

ونشّأتهم على تقوى الله، وحذرّتهم من معصية الله؟

تُرى على كانت محافظة على صلواتها، أم يلهيها عمل المنزل عن

الصلاة حتى يفوت وقتها وتجمع الصلوات؟

تُرى هل كانت تكف لسانها عن الغيبة والنميمة والكذب والسباب،

أم أن لسانها سيكبها على وجهها في نار جهنم، من قبح ما اقترفت

به من الآثام والمعاصي؟

أتُراها كانت تؤذي جيرانها، أم تحسن إليهم؟

أتراها كانت تعطف على الفقراء أم تقسو عليهم؟

أتراها كانت تستر عوراتها أم تتساهل بالحجاب؟

أتراها كانت تشاهد المعاصي وما حرم الله في التلفاز، وتستمع إلى

الغناء والمحرمات، أم كانت تحفظ جوارحها؟

تلك الجوارح التي يأكل الدود فيها الآن

بعد أن كانت لا تطيق حبة غبار. صار الغبار يغطى جسدها كله.

بعد أن كانت تتألم من قرصة نملة صار الدود ينهش جسدها كله ولا حراك ولا مناص.

إنها لن تستطيع أن تدافع عن نفسهها

يال هذه الدنيا الغرورة!!!!!!!!!

لماذا غرتنا مع أنها قصيرة؟

لماذا ألهتنا مع أنا حقيرة؟

لماذا خدعتنا مع أنها فانية؟

لقد رحلت أم أحمد وماعاد بمقدورها أن تفعل لنفسها شيئا

لقد ذهب كل شيء وبقي فقط العمل

صالحه وسيئه

فيارب رحماك بنا

فيارب غوثك لنا

فلقد ألهتنا الدنيا كثيرا

وإنا عما فريب صائرون إلى ذاك المصير نفسه.

ثم تذكرت وأدهشني الموقف

لقد كان ملك الموت إلى جواري منذ لحظات، لقد كان قريبا من جدا

يفصلني عنه جدار

ماذا لو كان الملك مرسل إلي أنا؟!!!!!!

مااذا لو قبض روحي بدلا منها؟ّ!!!!

هل كنت مستعدة لأبيت تلك الليلة في ذلك القبر الموحش؟

هل كنت مستعدة للقاء الله؟

لا والله

إننا في غفلة مطبقة

ألهانا التكاثر

نعم يارب والله لقد ألهانا التكاثر

وغلتنا الدنيا بزينتها ومتاعها الفاني.

ألهانا التكاثر بالمال وبالولد والتكثر من النعيم

وحتى ألهانا التكاثر من الذنوب والمعاصي

حتى صرا عبيد دنيا ولسنا عبيد آخرة

أطبقت الغفلة على قلوبنا حتى صارت قاسية كالحجارة

ونسينا الموعد الكبير

"لتركبنّ طبقا عن طبق"

لتركبن أهوالا فوق أهوال

سكرات الموت، وضمة القبر، وسؤال الملكين، وحساب القبر،

والبعث والنشور،ويوم القيامة الطويل يوم يقوم الناس لرب العالمين،

قياما طويلا طوله بطول ذلك اليوم، خمسين ألف سنة، بلا طعام ولا شراب،

وقد دنت الشمس من الرؤوس حتى غرق الناس في بحار العرق،

وفيه توزن الأعمال وتتطاير الصحف وينصب الصراط فوق جهنم،

ونقف على قنطرة المظالم لنرد الحقوق، بلا درهم ولا دينار،

وإنما من خزانة الحسنات.أتراها خزانتنا عامرة؟

أتراها تفي بما علينا من حقوق

وما جنيناه من مظالم للناس

أتراها تكفي أن نعطي كل من اغتبناه نصيبا

وكل من ظلمناه نصيبا

أترانا سنسحب على وجوهنا إلى جهنم؟

ثم تغلق علينا أبوابها

وينقطع بنا الأمل والرجاء؟؟؟

أترانا سنصير وقود جهنم بما اقترفت أيدينا من الذنوب والمعاصي؟!!!!

ما أغرك أيتها الدنيا

وما أسرع انقضاء متاعك

لتذهب اللذات وتبقى التبعات

ليتنا نفهم قبل فوات الأوان!

[/size]

روائع الخطب والدروس للشيخ محمد الصاوي:
اللحظات الأخيرة

يسلموا ايدك يا حبيبتي
إلى أين تذهبون بها؟ 9jCK1